الشاعر الجزائري ميلود حكيم «يبحث عن المعنى الغائب»
الجزائر - بشير مفتي الحياة - 07/05/08//
عن منشورات البرزخ صدرت المجموعة الثالثة للشاعر الجزائري ميلود
حكيم بعنوان «مدارج العتمة» بعد مجموعته الأولى «امرأة للرياح كلها»
(منشورات الاختلاف 2000) و«أكثر من قبر، أقل من أبدية» (البرزخ 2003)
ونلاحظ المسافة الزمنية الفاصلة بين هذه الأعمال وهي مسافة دالة على مدى
اشتغال الشاعر ورغبته في التجدد. غير أن ما يربط هذه الأعمال المندرجة في
مختبر الشاعر ومنجزه هو «الهاجس ذاته» وان اختلفت أشكال مقاربته وطرائق
التعامل معه. هاجس العزلة التي تنشد التلاقي، الوحدة التي تتوق الى
الاتصال أي تختار أن تكون مع الذات المفردة في حوارها مع العالم غير
المادي، العالم الذي لا يبصره إلا الشاعر بأدواته الخاصة. هاجس الشعر الذي
بقدر ما يبدو مشتركاً مع الهواجس الأخرى، كالحب والموت والمرأة
المثال/الأسطورة، ما بعد الموت، الرحيل، والفقدان، يلتقطه الشاعر بمفرده
وبمفرداته، بأسئلته وتأملاته، مختاراً الطريق الأكثر جمالاً للاقتراب من
الهاوية، والتحديق بعمق في الخسارات والكارثة.
في «مدارج العتمة» احتفال طقوسي بالموت حيث يحضر هذا اللغز المبهج
كتتويج لحالة الشعر عندما يتصيد ما يتجاوز أفق الفكر، ونظرة العلم لسؤال
الكينونة، سؤال الداخل المخترق والمثير. ذلك السؤال المرتبط بالوجود كما
دلنا عليه الفيلسوف هيدغر والذي يبدأ من مفتاح العين الشعريةُ (اللغة) كما
مثلها/ أو برهن عليها الشاعر هلدرلين، لحظة الشعر الصافية هي لحظة اقتراب
من الموت الميتافيزيقي لأن الشاعر يذهب للبحث عن المعنى الغائب دائماً،
الذي لا يحضر إلا في اختفائه، الذي لا يتكلم إلا في صمته، الذي لا يقول
ذاته إلا في ألم البحث عن ذاته.
«إذن أنت مشيت في الأرض/ التي عطرها الموتى/ ورعوها بالأحابيل/ أنت قلت
لما تساقط من خشخاش على قبورهم/ صباح الرحيل أيها الماضون بلا سبب إلى
الفراغ البهيم/أنت قلت../وروجت لخديعة الأقاصي».
ما تقوله لنا هذه القصائد هو ما لا تقوله إلا في «حضرة الغياب» أي
الحيرة ومكابدة المتاهة، أي القلق وسؤال المصير، أي الضوء الذي لا يدرك
إلا بعد عبور الكهف نشيد الرحلة، نشيد البدء من جديد: «في هبوب الهواجس
مرعوبة/ بالذين مضوا في الجوار البعيد/ وفي رحلة البحث عن وردة أو أبد/
قليل من الطيش/ يكفي لأبدأ عمري/ جديداً كما لم أكن».
تجمع قصائد ميلود حكيم بين الم الحرقة وجرح السؤال، بين حكمة الموت
والحنين الغامر للحياة، بين لعبتين تقتربان من الحقيقة لتفجراها، ليس
الهدف إدراك اللغز وكشف السر بل التوهان، البحث المتجدد في اللغة والشعر
والحياة: «كأنما كان عليّ أن أحدق طويلاً/ في الغبار الذي يسهر على
انهياري/ لتهدأ في الفريسة التي طاردتها وحوش المسافة/ هل كان يلزمني كل
هذا اليأس والوحدة/ لأعرف كيف يشتغل القدر بقناع الفراغ»
إننا أمام نصوص لا تخشى الموت وهي تخاطبه بل تتقدم نحوه بكل صلابة، كما
لو أن الشاعر اختار تدوين «سيرة موت» احد عناوين قصائده كي يفلت منه
أبدياً من طريق الشعر «فن الخلود» كما نزعم جميعاً: «أريد الجلوس مع هدنتي
مع هذا الرحيل/
لأسأل عن سبب واضح للألم
وعن شرفتي للحوار مع العالم الآخر المنتظر»