عاد
الهمس يتجرأ على حلمي ، يائساً أن تكون لي من الجرأة ما يرده أو يدافع عن
عناصر ، ألفتي ، وحشتي ، وحدتي ، وبعض من حماقاتي ،فمن يمتلك مثل هذه
العناصر يدرك بتمام الإدراك ، أنه لن يتمكن في يوم من الأيام ، من الدفاع
عنها ، أو حمايتها من غمز ولمز ، علناً على الشفاه ، أو وفي أفضل حالآت
الكياسه ، قد يمتلكها بعض ممن يتجرأون على الإيغار في مقدرة تصويب الأهداف
، ليكون حينها سراً مفضوحاً على المقل ...
ـ
على أية حال ـ فالخيال هو الجنحة الوحيده التي لايمتلك أحد الإقتصاص منك
لها ، والغباء أن يكون للمرء أنملة تقدمٍ واحده ، ويبقى محله يائساً ...
وعبثاً أقاومها .. هواجس دندنات تأبى التلاشى ، ترفض الرحيل ولو في قلب
الجحيم .. إنها العتمة الأليفة المونقه ، لصدرٍ أترع بها ، وهي الأ شياء
تنآى بعيداً ، والوجوه تغدو هشه ، مثل نثار غيمات هربت ، دون أملٍ في
العوده ... إنها حماقات الأنسان السمحه التي مهما تحمل عبئها ، يعود بها
من حيث أتى ... دندنات .. دندنات ... والعود يغدو راحلٌ مثل جميعها
الأشياء ، وترسخ تتجذر الدندنات ، غير عابئة بما يروح أو يجيء ،
إلاالكلمات ..... ( أتراها تتمكن منها ، هواجس الرحيل ...؟ )
يتجسد أمامي سؤالي ، يحتل مكاناً ما قبالتي ، ككتلة مع كتل الأجساد المكتضِّ بها الباص ، مكورة على أسرارها لائذة في ظل الكتمان ..
المدينة تدور .. تدور من حولنا ، تلتف كدوائر سطحٍ مائي متعاقبه ، تتلاشى
كلما إتسع قطرها ، وفي هذه المدينة تنزوي مهادنات الناس ونقائضهم ، وتطرح
تكاليف الأشياء نفسها على أساس الأولويه ...
ـ هل تدرك أن الكلمة إحتفال الإنسان بشرعية وجوده في هذه الحياة ، وإن لعودك هذا ، نقمة تمجده ، وكلمة تحميه ......!؟
ولا يأمل جواب فهو محض سؤال تأمل عيناه الرحيل في مديات الأفق ، غير أنهما
تظلان محبوستان ضمن نطاق جسدهما ، وكل ما تملكانه ، رحلة حالكة مستديمه ،
في فلك السؤال ... ( أتراها تتمكن منها هواجس الرحيل ..؟) وصوت ما يعلو
فجأة من المذياع ، من الواضح أن السائق قد أعجب به ، يمد المغني أقصى ما
تنتجه حنجرته ، بينما المدينة تخبو حياتها خلف أستار التمسك بالحياة ....
ـ وك هذا العراق وإسمه يهز السماوات .
وفقد أي تعليق معناه ، بينما بدت العيون متحجره في مقلها ، ممتلئه بحقدٍ
يائس ، وتيبست على الشفاه بضع كلمات خرساء ، وبعصبية حاول تبريرها ،
برفرفة جفنيه ، معلقاً بحده : ـ
ــ أقسى ما تفرضه على الكلمة من قهرٍ ، أن لاتنطقها ....
هل توقف عن ممارسة عمله كسؤال ..؟ هل ترك لسواه إلتقاط الأسئله والإيغار بقسوة اللامطالب بإجابه ..؟
لم أعلق بينما تركت لشفتاي أن تهمهم في خضم همهمة مقتولة رتلها الجميع ، كتميمة لامفهومه ، دون وعي ..
وإعتماداً على الحكمة القائله ( الكثره تغلب الشجاعة ) فإن كثرة هذه
المجموعة قد غلبت شجاعة الكلمات على أفواههم ، إذن فلتكن .. همهمة رتيبة ،
ممله ، حزينه ، منشدة للاإدراك فينا ..
تكاثرت بقايا البشر اللا منتجه ، أما إقتراف هوايات صحيه ، أو بقايا أشغالٍ مجديه ، فذاك منوطٌ بفلتات الزمن .
العود كائن أخرس تكور على ذاته بقنوط ، ينتظر أنامل دافئه ، تلهب جبينه ،
فترعش نفسه الحزين ، وغاية القدرة في هذا البلد ، أن تطلق نغماً محدداً ،
تشذب أذرعه الطويله ، لتنمو في نظام أشجار الزينه ، وحينها فقط يكون لي
ومن موقعي هذا ، إعلان نبأ ولادة لحن جديد ، فما تفرضه عليك تبعات راسبه ،
هي أن تبيح للخوف ذاتك ، ولا تترك لنفسك شطط الألحان أو الكلام ....
رويداً .. رويداً الباص يسير ، فلتترك لك الهمهمه أن تهمهم ما ترغب ، فلن
يسمعك أو يعترض أحدهم ، في إزدحام اللغط هذا ، ومن الواضح أن السؤال ترك
لسواه مهمته الصعبه ، ورضي بجبهة التنازلات ، وهمهم مع من همهموا . صوتٌ
يعلو في معادلة لغط المهمهمين وأشيع أخيراً الوجه المدبوغ خلف المقود ،
صرخ : ـ علينا أن نقرر.. الدرب يتشعب أمامنا ...
لامرئي يستفهم عن الآخرين : ـ هل توهمونا أم توهمون أنفسكم ؟ نرى الدرب مستقيم ...!
بينما تتضح معالم الوجه المدبوغ بالشمس المستبيحه أكثر فأكثر، تتضح فيه
الحقيقة المعتمدة الوحيده في خضم ذلك الإحتدام ـ إحباط مقهور ـ قال برجاء
: ـ الدرب متفرق ، من شاء التصديق فعليه التقرير ...
كفايروس الأفلاونزا ، تسري الكلمة في غواية : ـ التقرير ..التقرير..
صعد فوق الكرسي معلناً التقرير ، والأساس في التقرير ، طرح الحقيقة كما هي
، وراودني السؤال عن إهتمامي الرصين : ـ هل تعلن التقارير من فوق الكراسي
؟
ولم أستطع كبح جماح ضحكة خرساء ، بدل إعلان سؤال بات وجبة غثه ، لاتتشهاها نفس .. !
[ أيها الأخوة .. ( وسعال مفتعل ) .. أيها السيدات والساده ، علينا وبسرعة
إعلان نصاب للبحث في قضية الطريق ، ( وانتفخت أوداجه وهو ينطق الكلمة ،
تحت وطئة الزهو والدخان الأسود) .. إنتخاب .. إنتخاب ...]
المفاجئة تستحيل ، تحاصر الفكرة ، تنصب منصه ، يعتليها وجهٌ ما ليس يتبع
زمناً ، الوجه يتبعه آخر ، والآخر يتبعه ظلاً ، والظل يسحب أحرفاً تائهه ،
والتيه ضاع بين تخام الحضور ، صرخ معترض ما : ـ الباب لن تفتح بمنصتكم هذه
...؟
نهره الوجه : ـ ليست وحدها الباب التي لن تفتح ، فلتجلس مكانك .. !
وحي الصمت يقيد رمح الإنفعال ، تنحنح الوجه ، البدء كلمه ، والبدء يقتضي
مغايرة الصوت والبحه في طرح وضع : ـ [ حسناً .. الطريق ـ حسب تقارير سائق
الباص المتعاقبه ـ متشعبة ثلاث شعب ، صعبة كلها ، الأول يدثر ما يدعى
ألغاماً ، والألغام كما تعرفون ، حقد مطمور يفور بشيزوفينيا الموت ، (
ويترك لتقرير ما حق التداول بين الأيدي ، ليعود بدوره يدير بصره بين
الوجوه المخرسة بالرعب ، بنظرة ظفر ، ويردف ) الطريق الثانيه ، مستقيمة
معبده ، وكما تعلمون ، المستقيم أقصر مسافة بين نقطتين ، لايعيبها سوى ،
أسلاك شائكة فرشتها ، وهي ربما أفضل المتاحات ، أما الثالثة ( وأفئفة
صغيره ) فليس من خللٍ يشوبها ، سوى أن مياه بحرٍ غريبة إنسحبت عليها
لتغرقها ، دون توضح الأسباب ، ( ويرفع نظره عن الورقه)
وأدركت
حينها أن هناك من يجلس بجانبه ، مرتدياً شيئاً ما ، أسود أو أبيض على رأسه
، وفزاعة بأجراسٍ تلمع ، أنبهتني لوجوده يهزها بيده ، فتجلجل أجراسها ،
أدركت نظراته الحانقة نحوي ، ومعها أدركت تأريخاً ما...
السؤال يتكور على نفسه وأنا ربما تمكنت في لحظة شجاعة خرقاء ، إطلاق سواه حتى لو كان غثاً للكثيرين ..
ـ التصويت الآن .. ( أطلقها الوجه بفظاظة بارده ) .. الإختيار تم على
الطريق الشائكه .. من المؤكد إنفجار الإطارات ، وعليه فنحن بدورنا أمرنا
بإطلاق قانون الإطارات وكل ماعلينا ، الإعتماد والثقة المطلقه ( بويلات)
الباص ، ستتحملنا دون إستثناء ، لن نلعب لعبة يونس والحوت ، وعلى الجميع
الجميع الثقة بالقانون الجديد والتصويت بشفافيه ...
ـ حرام عليكم ...
ينتصب جسد خاو ، يعلق ( سدارة ) حائلة اللون على رأسه ، وسلسلة ، لامعة في عروة سترته ......
ــ من أين جاء بهذا الزي ...؟ أطلقها السؤال بفظاظة أسعدتني ، لم يتخل عن أداءه إذن ..!
ـ حرام .. ألا تعرفون ، ألا تدركون .. ألم تروا وتعاشروا تلك الأجساد
الصغيره ، سنيناً مشحونة بالقهر .. إن للألغام أجساد الأطفال .. ( وأجهش
بالبكاء متمتماً بالحرام العقيمه ، بينما يعود للجلوس محله ) تتقلص عضلات
الوجه ، مقاوماً الرفض المهين ، ومتصنعاً التماسك الحي ، ليعود متسللاً
عبر أجواء الإستلابات ، ومعلناً بدء العد : ـ لنعد النصاب ...
التمتمة تتيه من فم الى فم : ـ النصاب .. النصاب ..
بدء العد .. واحد .. إثنان ، مئه .. مئتان ، سيدة بدينة تمصمص عظام دجاجة
أكلتها للتو ، تلوح بعظمه : ـ إن لم أكن ضمن النصاب ، إنسحبت وكل عظامي ..
النصاب ، تمنع المغادره ، مئتين ، ثلاثمائه ، تتلوى الأجساد ، كم جسد
يتلوى ، والسيدة ضمن النصاب ، صرخ العادون : ـ إكتمل النصاب ..
لكن ، العود .. وأنا .. والسؤال .. !؟
إستثناء .. عملية فرز .. ، مؤخرة الباص لم تشمل بالنصاب ، حالة العلاقة
بالأشياء والناس ، تنحسر في نهاية الباص ، عندي .. والعود .. والسؤال ،
السؤال يبحلق فيّ ، أتوقع منه إعتراض يحتفا به ، غير أنه يظل مبحلقاً فيّ
، مع من إستوطن المؤخره . المهادنة لامبررةٌ خارج حدود الوقت ، أنتصب
بسطوة الغضب ، بدا صوتي كصفيرٍ بوذي جارح ، صرخ حامل الفزاعة : ـ إعلم يا
صاحب العود ، النصاب إكتمل ، سيصوت من عدَّ ضمنه فقط ، إجلس ولنصوت ، ليس
من وقتٍ لدينا ، ليضيع .. وأردف مخاطباً الجمع : ـ
[ التصويت ، القانون رقم واحد ، قانون الإطارات ، ( صمت مطبق ، ويردف مشدداً بظفر على الكلمة الأخيره ) ، تصويتٌ بإجماع ...]
(( الشمس تؤول للمغيب ، والشمس في بلادي أوحش من سواها ، والظلام .. حتى الظلام هناك أوحش .. أوحش .. أوحش ))
الان اتوقف عن متابعة الشمس ، القانون منصوص .........
ــــــــ قانون ـــــــ
(واحترامك للقانون يعني احترامك لنفسك)
إرتباط الأشياء ليس ظاهرياً ، يكمن في الكلمات التي تحشوها الأكاذيب ،
والأرتباط عهده .. والعهده عروة إنفصمت ، غزاها الصديْ المعتم ...
تتملكني فكرة إمكانية جعل حياتي ، ميزة حقيقيه ، او شيْ مستثنىً بوضوحٍ
قاهر ، سوى أن إستلاب متآمر يترك لي بدل الإحساس بما مضى ، يأساً مر
المذاق ، تبدو البطولة فارغه ، والشجاعة منطق لا مجد ، والمدينة تستنفذ
أساليبها في نوايا صادقه ، لردع الحقيقة الوحيدة التي سكنتها قبلي ..
اليأس .. المادة الأساس ..
ـ أستثنيك أيها الشاب ، العود إستثناءٌ أكيد ، صغيري يعشقه ، لقد ضاع في الزحام ..
اللغة نادرة التداول ، والعجوز تحمل على ظهرها هشاشة صورتها ، ودقة صوتها .
ـ ضاع صغيري .. عودك يجذبه .. أطلق لحناً ما ليعود ..
زمن الألحان ولى ، هي لاتدرك مأساتها المحبوسة في صدري ، ألحاني معتمدة في
الساحة ، والساحة دائرة إمتلئت بالجثث المقذوفة بالأمواج المالحه ، مكومة
على بعضها ، تؤكد زمن النكسات المترصد . في النهاية هي معتمدة ، والإعتماد
في حرفتنا يعد أساساً غيرأن لي من الوجدان الراسب ما يمنعني من إعتمادها ،
وتعريف الإعتماد ، كمهادنة متواطئه إستهدفت حسّ البراءة ، وقد أسرب مابين
زحام الألحان ، نغماً حراً ، تمرد يتيم ، يرسب في ذاكرة الأشياء ، وينفذ
من أكثر فجوات الأسى إحكاماً ..
زمن البراءة ، وهج الطفولة ،
يبقى سيد ، وأنا أسيره ، سوى أن الصغير لن يعود للعجوز بلحنٍ معتمد ،
يشيعه زمن النكسة هذا ، زمن اليأس والخلل الذي للكشف عنه يكتنف العيون
ظلام يزحف على أجزاء الوجه بالهلاك ..
ـ أطلق لحناً ... ( عادت العجوز تهمس برجاء )
فكرة إطلاق الألحان عقيمه ، غير أنها تحاصرني ، تداهمني نظراتها ، مرتجيه ، لم تترك لي من خيار ...
في وقتٍ ما شطب إسمٌ ما من لوحة حاجات البشرالأساسيه ، شطب ببراعة حذقه ،
لم تترك لأحد قدرة الإكتشاف ، ترك مكانها أحرف خاويه شحنت بلوعة الإغتراب
.
ــ تاير ــ ح
ــ رياح ــ ت
ــ حيات ــ ر
ويحضر تجميع حروف الكلمه الأخيره ، سوف تتلاش فيما يتلاش ، يتبعها إيمان
دعاتها بها ، وما تفرزه القيود من ألم ، سيغدو إعتياديٌّ ، مع ضمان عدم
وجودها ...
العود مثل غريبٍ تائه في طريق ، أمسكت به ، وتركت
لوجداني حرية التفجر ، أطلقت نغماً لامألوف ، أدركت أنه معادلٌ طبيعي
لماضٍ مسخ ، الجو يلتهب بحرارة الموقف ، يتصلب خارج حدود التقولات ، اللحن
يتمدد ، يتوافد متمرداً ، حسم لحظة مختنقه ، يتقدم الصغير ، في ظلام حدقتي
المغمضتين ، أراه ، إبتسامة كأنها الحياة ، ترتسم على شفتيه ، وثمة
مطالبات توحي بالإستمرار .. وأوامراخرى بالتوقف ، تنسحب النفس في غبطتها ،
صوب ما رسب عميقاً ، تحثه النغمات ، يطفو سريعاً كأنه لم يخب يوماً ..
الصغير يقترب أكثر ، في كل مرة ، كنت جثة تتكوم فيمن يتكومون ، ينتشلها
الصيادون ، وتنتشلني الأيادي فيما تنتشل ، متراكم فيمن تراكموا ، إنفجر
الإطار ، مالت الباص ، تكومت الألحان على بعضها ، تهشمت عظام الصغير ،
وتلاشت الصوره ...
اللغة الأكثر تداولاً ، والصوت الأعلى صرخة ، قرقعة الأجراس الأكثر لمعاناً : ـ ماذا تظن نفسك فاعلاً ..؟
الأرض تدور ، السماء تنتفخ ، والناس تتلاشى ، ما تطلقه عيوب الأنسانيه
الأكثر إلتصاقاً بها ، جلدها المهتريء الذي لا تتمكن سوى سلخه عنها ..
ينفجر الإطار الثاني ، تتلاشى الوجوه ، تتعتم الكلمات ، تذهل القوة على
نطقها ، ترتبط مشدوهة بالسؤال المخترق ببراعة أكوام الجثث .. ( أتراها
تتمكن منها هواجس الرحيل ..؟ )
قانون .. قانون .. تُنتَشل الفزاعه ، تنقذ أجراسها ، الوجه ينفر بتناقضاته ، مطلقاً القانون الجديد ، ترافقه نحنحاته المعتاده ..
[ القانون الجديد ..قانون الشقلبه الطفلي ، الطفولة حياة أولى ، الذكرى
التي لايحول بين دفقها واللحظة الحاسمة ، سوى قانون الشقلبه ، ومن منا لم
يتشقلب في طفولته ..؟ كلما إنفجر إطار ، كل ما يؤكد حياتنا في هذه الباص ،
الشقلبه ، والشقلبه ضرورة الحفاظ والقدرة على المتابعة .. وكل ما علينا
التصويت ]
صوّت .. عدٌّ ..
وإعتدل الوجه مستلماً
النتيجة المرتقبه ، تنحنح مبتدءاً ، قال يصانع إضطراب الزهو : ـ نتائج
التصويت .. ( نظر في الوجوه المحتدمة بترقب وقال ) .. إجماع ..
إعلان قانون الشقلبه ، النص ينشر ، وتخوم البشر الراكب يتشقلب بهستيريا يطبعها الخيال في الذاكره ، بألوان داكنه ....