بسم الله الرحمن الرحيم
kevin mitnick
ما من شيء يقف أمام النسر عندما يبسط جناحيه، ويحلق واثقاً في الفضاء!
وكذا كيفن ميتنيك، ما إن يضع يديه على لوحة مفاتيح الكمبيوتر، حتى يجد
نفسه مشدوداً، لتحطيم الأسوار والدفاعات الحصينة، لمؤسسات يرغب في
الوصول إلى خزائن أسرارها. وقد نجح لمدة ثمانية عشر عاماً في اختراق عشرات
المؤسسات، بدءاً من شركة الهاتف المحلية لمدينته، وصولاً إلى البنتاجون،
مما جعله أشهر مخترق لشبكات الكمبيوتر، في التاريخ.
منذ الصغر وشرنقة من مشاعر الوحدة و الإحباط تحاصر كيفن. وقد عمق انفصال
والديه هذه المشاعر، وزاد عليها عدم الاستقرار وضيق الوضع المادي.
في السابعة عشرة من عمره، بدأت أحوال كيفن تتغير، وخيوط الشرنقة تتقطع،
لينطلق منها نسراً جارحاً، سمى نفسه فيما بعد "الكوندور" تيمناً بفيلم
Three Days of the Condor
أي أيام الكوندور الثلاثة، الذي تدور قصته حول باحث مطارد من قبل وكالة
الاستخبارات الأمريكية فيستخدم خبرته كضابط سابق في سلاح الإشارة في
البحرية الأمريكية، للتحكم بشبكة الهاتف، وتضليل مطارديه.
راح ذاك النسر يجوب الفضاء، سنين طويلة، باحثاً عن صيد ثمين.. ولكن وكما
يقال" ما طار طير وارتفع، إلا كما طار وقع"! وقع كيفن في الأسر، وهو الآن
قابع وراء قضبان السجن، مقيد بالسلاسل ومسجل على أنه خطر جداً، لدرجة أنه
أودع السجن لعدة سنين في بلد "الديموقراطية" بدون محاكمة!! كيف..؟
إليكم القصة
بدأ يزدهر أوائل الثمانينات، استخدام مقاسم الهاتف الرقمية، وشاع استخدام
الكمبيوتر الشخصي مع مودم، للتحكم عن بعد، بمقاسم شركات الهاتف.
وعلى الرغم من أن كيفن لم يكن من المتفوقين دراسياً، بل كان معدله دون
الوسط، إلا أنه برع في الدخول إلى بدالات مؤسسة الهاتف المحلية، وتمكن من
الحصول على مكالمات هاتفية مجانية. وتطور الأمر إلى تمكنه من اقتحام عوالم
الآخرين، والاستماع إلى مكالماتهم. وأصبح لديه خلال فترة وجيزة، الكثير من
المعلومات والأسرار، عن أشخاص كان يختارهم من الأغنياء وذوي السلطة، مما
خلق في نفسه الشعور بالقوة والتفوق.
وبفضل اهتماماته في هذا المجال تعرف إلى مجموعة من الشباب لهم الاهتمام
ذاته، والخبرة في اختراق شبكة الهاتف عن طريق الكمبيوتر، وشكلوا "شلة"
أصبحت اجتماعاتها شبه منتظمة، للتداول في وسائل وطرق جديدة في هذا المجال
(يطلق على المتخصص في اختراق شبكات الهاتف للحصول على مكالمات مجانية غير
قانونية اسم
phreak
يبدو أن الأمر كان مسلياً وممتعاً للشلة، أن يحلوا محل عاملة الاستعلامات،
ويقوموا بالرد بدلاً عنها، على طلب بعض الأشخاص لأرقام هواتف، يسألون عنها
فتأتيهم إجابات غريبة، مثل: الرقم المطلوب هو "ثمانية، ستة، ثلاثة، تسعة،…
ونصف! هل تعلم كيف تطلب الرقم نصف؟!" وعبثوا أيضاً، بهواتف بعض الأشخاص،
ووجهوها نحو جهاز تسجيل يقول: "عليك دفع مبلغ عشرين سنتاً قيمة المكالمات
لهذا الشهر، وإلا سيقطع الخط"، وكانت هذه الرسالة الصوتية تظهر مباشرة
عندما يرفع أولئك سماعة الهاتف.
حتى ذلك الوقت، كان كل ما قامت به الشلة لا يتعدى المزاح لشباب راغبين في
المتعة والابتعاد عن الملل، وإن كان بإزعاج الآخرين قليلا.. لكن الإزعاج
ما لبث أن تحول إلى أذى، حيث قام أحد أفراد الشلة بتدمير ملفات إحدى شركات
الكمبيوتر في سان فرانسيسكو، ولم تتمكن الشرطة من معرفة الفاعل، لأكثر من
عام.
في أحد أيام العطل من عام 1981 دخل كيفن واثنان من أصدقائه خلسة، إلى
المركز الرئيسي لشركة الهاتف في مدينة لوس أنجلوس، ووصلوا إلى الغرفة التي
تحتوي على الكمبيوتر الذي يدير عمليات الاتصال، وأخذوا كتب التشغيل الخاصة
به، وقوائم وسجلات تتضمن مفاتيح السر لأقفال الأبواب، في تسعة مراكز
أساسية تابعة لشركة الهاتف في المدينة.
وعندما حققت الشرطة المحلية في الأمر، لم تتمكن من كشف الفاعل.. لكن، وبعد
سنة، وشت بهم فتاة من أعضاء الشلة، للشرطة، الذين سارعوا لاعتقال الشبان
الثلاثة. وحكم على كيفن بقضاء ثلاثة أشهر في سجن الأحداث بتهمة السرقة،
وتدمير بيانات عبر شبكة كمبيوتر، كما قضت المحكمة بوضعه بعد ذلك، سنة تحت
المراقبة في لوس أنجلوس.
من جهته، حاول مركز الخدمة الاجتماعية تقديم العون له، لتطوير خبراته في
مجال الكمبيوتر، والاستفادة منها بشكل شرعي، لكن النتيجة جاءت سلبية، إذ
سعى كيفن إلى تعلم أمور مختصرة، وحيل تساعده على ممارسة هوايته باختراق
شبكات الكمبيوتر، وهذا ما قاده من انزلاق إلى آخر..!
اعتقل كيفن ثانية عام 1983 من قبل شرطة جامعة شمال كاليفورنيا، بعد ضبطه يحاول استخدام كمبيوتر الجامعة لاختراق شبكة
ARPA net
للوصول من خلالها إلى البنتاجون
وحكمت المحكمة عليه بستة شهور تدريب في إصلاحية للأحداث، في كاليفورنيا..
هل أصلحت الشهور الستة سلوكه؟؟
هيهات!!
فبعد سنوات اعتقل مرة أخرى، بتهمة العبث بكمبيوتر حسابات إحدى الشركات،
والغريب في الأمر، أنه بقي رهن الاعتقال لمدة سنة كاملة بدون محاكمة،
والأغرب اختفاء ملفه من مركز الشرطة، بدون أي تفسير أو شرح!
هاهو عام 1987 يحمل إشارات تغيير في حياة كيفن، فأثناء تلقيه دروساً في
الكمبيوتر، تعرف إلى فتاة، ليرتبط معها بصداقة، ثم يقررا العيش سوية،
لكن.. يتضح خلال فترة قصيرة أن هوسه، يقوده من جديد إلى مطب آخر، حيث
أدين بسرقة برامج من إحدى شركات البرمجيات في
كاليفورنيا، عن طريق الشبكة. وتمكنت الشرطة من اكتشاف ذلك، بتتبع خط
الهاتف الذي تمت عن طريقه العملية، والذي أوصلها إلى الشقة التي يعيش فيها
مع صديقته.
وتعرض كيفن وقتها للإهانة والضرب على أيدي رجال الشرطة، وقد وضع تحت
المراقبة لمدة 36 شهراً، كانت نتيجتها زيادة إحساسه المتعاظم بقدرته
الفائقة، فلم يعد يستطيع الخلاص من هذا الشعور الذي يملأ نفسه بالقوة
والعظمة.
عام 1988 استحوذت عليه فكرة الحصول على نسخة من نظام تشغيل الميني كمبيوتر
لشركة ديجيتال، وذلك من خلال اختراق شبكة "ايزي نت" الخاصة بالشركة. ومن
أجل ذلك كان يذهب مساء كل يوم إلى مقر عمل صديقه دييجو، الذي يعمل في قسم
دعم البرامج في إحدى شركات الكمبيوتر. وكانا يحاولان لساعات طويلة، الدخول
إلى مخابر شركة ديجيتال، التي اكتشف المسؤولون فيها تلك المحاولات، لكنهم
فشلوا، على الرغم من كل الجهود التي بذلوها، في تحديد الجهة التي تقوم
بهذه المحاولات. ولم يكن منهم إلا أن استعانوا بالشرطة المحلية ومكتب
التحقيقات الفيدرالي اللذين عملا بالتعاون مع خبراء ديجيتال، لأيام عديدة
على تتبع مصدر محاولات الاختراق، بدون التوصل إلى نتيجة، لأن كيفن كان
اتخذ احتياطات ذكية، لمنع اكتشافه، وذلك بأن استخدم جهازي كمبيوتر، الأول
يحاول عن طريقه اختراق شبكة ديجيتال، والحصول على نظام تشغيل ، والثاني
يراقب مركز مؤسسة الهاتف، ويتتبع المحاولات الرامية لاكتشافه.
كان بإمكان مكتب التحقيقات الفيدرالي اكتشافه بسهولة من خلال تتبع الهاتف
الذي يتصل منه، ولكن اختراقه لشبكة الهاتف، مكنه من العبث ببدالتها،
وتضليل المحققين. وهذا ما حدث عندما توجهوا مسرعين إلى الشقة التي توصلوا
إلى أن محاولات الاختراق تجري بواسطة الهاتف الموجود فيها، ليكتشفوا أنهم
كانوا مضللين